ملخص تنفيذي:
يتناول هذا التقرير أحد الجوانب الهامة في الصراع المستمر في السودان، وهو النهب المنهجي لمنازل المدنيين وممتلكاتهم في ولاية الخرطوم تحت تهديد السلاح. فمنذ اندلاع أالحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، تحولت المناطق المدنية إلى مسارح متزايدة للعنف والنهب دون رادع.
رغم الجهود المستمرة للوساطة الإقليمية والدولية التي لم تحقق النجاح، استمر الصراع في التسبب في عواقب إنسانية وخيمة، خاصة في المراكز الحضرية الثلاثة بولاية الخرطوم: الخرطوم، بحري، وأم درمان. كانت هذه المناطق في السابق مراكز حيوية للنشاط الاقتصادي والإداري، لكنها باتت الآن تعاني من الدمار الذي خلفته الحرب.
لا يُنسب النهب إلى القوات المسلحة السودانية فحسب، بل أيضًا إلى الكتائب والمليشيات المتحالفة معها. وقد أدى ذلك إلى تآكل الثقة العامة وتهجير واسع النطاق، مما أجبر أكثر من 14 مليون شخص على الفرار، غالبيتهم من الخرطوم.
يسلط التقرير الضوء على تحول أعمال النهب، التي كانت في السابق متفرقة، إلى ممارسات راسخة في المناطق التي سيطر عليها الجيش مؤخرًا، مما يشكل انتهاكًا مباشرًا للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الأحكام الواردة في اتفاقيات جنيف التي تحظر الهجمات على المدنيين وممتلكاتهم.
إن الوضع يستدعي تحركًا دوليًا فوريًا لحماية المدنيين السودانيين، وتوثيق الانتهاكات، وضمان محاسبة المسؤولين عنها. ومع ذلك، يظل التوصل إلى حل سلمي للصراع أمرًا بالغ الأهمية. يساهم هذا التقرير في تلبية هذه الدعوة من خلال توثيق الأدلة وأنماط الانتهاكات.
مقدمة:
مع اكمال الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع عامها الثاني، يستمر الوضع الإنساني والأمني في السودان في التدهور. فقد شهدت ولاية الخرطوم، التي تُعد مركز الحياة السياسية والاقتصادية، زيادة مقلقة في انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما نهب المنازل الخاصة، والأعمال التجارية، والبنية التحتية الحيوية من قبل القوات التابعة للقوات المسلحة السودانية.
وأفاد سكان الخرطوم، وأم درمان، وبحري بتصاعد مقلق لعمليات النهب بعد استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. هذه الأفعال ليست معزولة، بل هي ممارسات منهجية، وغالبًا ما تُنفذ تحت تهديد السلاح على يد جنود يرتدون الزي العسكري، إلى جانب قوات غير نظامية ومجندين مدنيين يتم حشدهم لدعم الجيش.
وكان التأثير المباشر لذلك تعميق مناخ الخوف والنزوح، حيث أُجبر العديد من المدنيين على مغادرة منازلهم بعد وقت قصيرة من سيطرة القوات المسلحة السودانية على أحياء جديدة.
يستند هذا التقرير إلى مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الشهادات المباشرة، وتقارير المجتمع، ولجان المقاومة المحلية، لرسم خريطة لحجم وتكرار هذه الانتهاكات. ومن خلال التركيز على تجارب المدنيين وتتبع تطور ظاهرة النهب عبر الزمان والمكان، يهدف التقرير إلى وضع الأضرار في سياقها الصحيح والتأكيد على الحاجة الملحة إلى آليات الحماية.
خلفية:
بدأت الموجة الأولى من النهب المنهجي المنسوب إلى الجيش السوداني وحلفائه بعد دخول القوات الموالية لمالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، إلى أم درمان في مايو 2023.
أشارت التقارير الأولية إلى أن الأحداث بدأت في أحياء الثورة بشمال أم درمان، حيث يُزعم أن قوات الجيش التابعة لسلاح المهندسين نظمت شبكة من الإكراه والسرقة، مما دفع مشغلي وسائل النقل العام على تغيير مساراتهم عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، معرضاً السائقين والركاب لخطر حقيقي.
تشير الشهادات التي تم جمعها من هذه المجتمعات إلى بيئة تتسم بالعدوانية المتزايدة. وقد تصاعدت عمليات النهب بشكل كبير ابتداءً من نوفمبر 2023، حيث بدأ الجنود والقوات المتحالفة في استهداف المنازل والمتاجر والمرافق المدنية بجرأة ووتيرة أعلى. لم تقتصر هذه الحوادث على سلب ممتلكات المدنيين فحسب، بل شكّلت أيضًا تهديدًا لحياتهم، حيث تعرض العديد من السكان للترهيب أو الاعتداء أو التهجير القسري.
على الرغم من أن قيادة الجيش قد رفضت هذه الأفعال في البداية باعتبارها حوادث فردية معزولة، فإن التقارير الواردة من لجان المقاومة، ومجموعات الرصد في الأحياء، والتسجيلات الموثقة من المواطنين تتناقض مع هذا السرد. ما بدأ كحوادث متفرقة تطور إلى نمط سلوكي يميز الآن عمليات الجيش في مناطق سيطرته. إن الآثار المترتبة على هذه الأفعال وخيمة؛ فهي لا تمثل انهيارًا في الانضباط العسكري وحماية المدنيين فحسب، بل تشير أيضًا إلى انهيار السلطة القانونية في العديد من أجزاء ولاية الخرطوم.
طبيعة ونمط الانتهاكات:
أدى الصراع المستمر في السودان، وبشكل خاص في ولاية الخرطوم، إلى ظهور نمط منهجي من انتهاكات حقوق الإنسان التي تستمرفي تدمير حياة المدنيين وسبل عيشهم. يستعرض هذا القسم الطرق التي استُهدفت بها المنازل من قبل أطراف مسلحة، أبرزها قوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها، من خلال أعمال منهجية ومستمرة من النهب، والاحتلال غير القانوني، والترهيب.
استنادًا إلى شهادات مباشرة، وحوادث موثقة، وتقارير متسقة من المجتمعات المتضررة، يسلط هذا التقرير الضوء على الطبيعة المتعمدة لهذه الانتهاكات. فقد تحولت المناطق السكنية، التي كانت في يوم من الأيام ملاذًا للأمان والخصوصية، إلى مناطق عسكرية مليئة بالخوف والاستغلال. لا تقتصر هذه الانتهاكات على التأكيد على انهيار القانون والنظام فحسب، بل تعكس أيضًا استراتيجيات أوسع تستخدمها الجماعات المسلحة للسيطرة على الأراضي، واستخراج الموارد، وتهجير السكان.
من خلال فحص مفصل للتكتيكات المستخدمة وتجارب الناجين، يهدف هذا التحليل إلى كشف النطاق الكامل لهذه الأفعال وأثرها على المدنيين السودانيين، ووضع الأساس للمساءلة والإنصاف.
- نهب التجار في الأسواق:
في 15 أغسطس 2023، وقعت حادثة مقلقة في سوق صابرين، والتي سلطت الضوء على هشاشة وضع التجار في مواجهة العنف المسلح والفوضى في المناطق المتضررة من النزاع. ووفقًا لشاهد عيان، اقترب شخصان مسلحان يرتديان زي الجيش السوداني، أحدهما يحمل بندقية هجومية من طراز كلاشنكوف، والآخر يحمل رشاشًا من طراز قرنوف، من مجموعة من التجار وأصحاب المحلات التجارية الذين يعملون داخل السوق.
ووصف شاهد العيان مشهداً فوضوياً، حيث اشار الى ان أحد التجار قد أصيب برصاصة في يده وكان ينزف بشكل واضح. وعندما سئل التجار المحيطون عما حدث، أوضحوا أن المسلحين طالبوا بالمال تحت تهديد السلاح. وفي محاولة لترهيبهم وإجبارهم على النصياع، أطلق الجنود الرصاص الحي، ما أدى إلى إصابة اثنين من التجار.
بينما حاول عدد من المواطنين القلقين في الجوار التدخل لتهدئة الموقف، رد الجنود بتعمير أسلحتهم وإصدار تحذيرات صارمة بعدم التدخل. ثم قاموا بأخذ الأموال بالقوة من عدة تجار قبل أن يفروا من المنطقة.
بعد الحادث، قام التجار المتضررون بالإبلاغ عن الهجوم إلى مكتب الاستخبارات في سوق صابرين. ولكن، بدلاً من تقديم المساعدة أو بدء تحقيق، تجاهل المسؤولون الأمر، مؤكدين أن مثل هذه الأفعال “طبيعية في أوقات الحرب”. كما أن هذه الاستجابة لا تعكس فقط تطبيعًا مقلقًا للعنف، بل تبرز أيضًا الإفلات من العقاب الذي يواصل من خلاله الفاعلون المسلحون عملياتهم، مما يترك المدنيين، لا سيما التجار وأصحاب الأعمال الصغيرة، عرضة للخطر وغير آمنين.
القتل بغرض النهب:
لقد وردت العديد من التقارير والروايات الموثقة عن مقتل مدنيين على يد أفراد مسلحين، حيث كان الكثير منهم يرتدون زيًا عسكريًا أثناء حوادث النهب. هذه ليست أحداثًا معزولة، بل هي جزء من نمط مزعج للغاية يرتبط فيه النهب بالعنف المفرط، بما في ذلك إطلاق النار القاتل، والاعتداء الجسدي، والترهيب باستخدام الأسلحة.
غالبًا ما يتم استهداف الضحايا أثناء وجودهم في منازلهم أو أماكن عملهم أو أثناء الأنشطة اليومية مثل التنقل. يقوم الجناة، الذين عادة ما يستخدمون الدراجات النارية، بالتهديد أو استخدام القوة المميتة لسرقة الهواتف المحمولة والنقود والممتلكات الأخرى. وفي كثير من الحالات، كانت أي محاولة للمقاومة أو حتى التردد تؤدي إلى نتائج فورية ومميتة.
توضح الحالات التالية خطورة هذه الحوادث وتكرارها، مما يبرز تزايد انعدام الأمن الذي يعاني منه المدنيون، والتآكل الواضح في الثقة بمؤسسات أمن الدولة.
في فبراير 2024، حوالي الساعة 7:00 مساءً، اقترب رجلان مسلحان على دراجة نارية – يرتديان زي الجيش السوداني – من شاب كان جالسًا خارج منزله في الثورة، الحارة 19، بالقرب من المدرسة الابتدائية. كان الضحية يتصفح هاتفه بهدوء عندما طلب منه المهاجمون تسليمه. عند رفضه، أطلقوا النار عليه واستولوا على الهاتف ولاذوا بالفرار.
صدمت الحادثة المجتمع المحلي، وكانت الاستجابة سريعة, حيث قام السكان بتشكيل لجنة حي وأقاموا حواجز ترابية على المداخل الرئيسية لمنع دخول الدراجات النارية التي غالبًا ما تُستخدم في هذه الهجمات. إلا أن هذا الإجراء أسفر عن عواقب غير مقصودة.
في 20 يونيو 2024، حوالي الساعة 8:00 مساءً، دخل أحد السكان مع ضابط في الجيش الحي المحصن على دراجة نارية برفقة زميلين. ظنت اللجنة، عن طريق الخطأ، أنهم لصوص، فتمت ملاحقتهم. خلال المطاردة، أطلق نقيب في الجيش – وهو أيضًا أحد السكان وعضو في اللجنة – النار، مما أدى إلى مقتل أحد الرجال. تسلط هذه الحادثة المأساوية الضوء على الارتباك وانعدام الثقة والتقلبات التي تحدد الآن ديناميكيات الأمن المجتمعي في مثل هذه الظروف.
وفي حادثة أخرى مقلقة وقعت في 17 فبراير 2025، حوالي الساعة الخامسة مساءً، استهدف مسلحان على دراجة نارية شابًا كان خارج منزله في الثورة، الحارة 34. وعند تعرضه للهجوم، رمى هاتفه وبعض النقود فوق الجدار إلى داخل منزله لتفادي سرقتها. ردًا على ذلك، أطلق الجناة النار عليه ثلاث مرات، مما أدى إلى كسر ساقه اليمنى، قبل أن يلوذوا بالفرار. ولا تزال هويتهم مجهولة.
في 24 فبراير 2025، أفاد شهود في منطقة الأبراج بأم درمان بأن رجلين يرتديان زي الجيش السوداني اعترضا توك توك تحت تهديد السلاح. كان داخل التوك توك السائق وراكبان، حيث قام المهاجمان بالاستيلاء بالقوة على هواتف الركاب ومبلغ 100,000 جنيه سوداني.
وعندما قاوم أحد الركاب، أُطلق عليه الجناة النار خمس مرات في الصدر وتوفي على الفور. كما أصيب سائق التوك توك في كتفيه، وتم نقله بشكل عاجل لتلقي العلاج، بينما لاذ المهاجمون بالفرار ولم يتم القبض عليهم.
بعد أربعة أيام فقط، في 28 فبراير 2025، حوالي الساعة السادسة صباحًا، تعرض سائق توك توك لكمين عند تقاطع شارعي الأبراج والدكوة في حي الواحة بأم درمان. أطلق ثلاثة مسلحون يرتدون زيًا عسكريًا، النار عليه عدة مرات واردوه قتيلاً قبل أن يقوموا بنهب هاتفه ويلوذوا بالفرار.
في 12 مارس 2025، رافق جنديان أحد السكان المحليين إلى منزل طبيب في حي أمبدة حمد النيل بأم درمان لاحضار وثائق ثبوتية. ولكن بدلاً من ذلك، سرقا مروحتين من المنزل. قام الطبيب، الذي يقيم حاليًا في الثورة، بالإبلاغ عن الحادث، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء أو محاسبة حتى الآن.
تعكس هذه الحوادث نمطًا منهجيًا حيث يرتبط النهب دائماً بالعنف، مما يخلق مناخًا من الخوف وانعدام القانون. كما أن استخدام الجناة للزي العسكري يزيد من تعقيد الأمور، ويثير قلقًا كبيرًا بشأن احتمال الإفلات من العقاب أو التسلل إلى القوات المسلحة أو تورط بعض عناصرها الداخلية بشكل مباشر. ونتيجة لذلك، تستمر الثقة العامة في الأجهزة الأمنية في التدهور، ويظل المدنيون يتحملون تبعات العنف غير المنضبط وضعف حماية الدولة.
- نهب الجامعات:
لم تسلم حتى المؤسسات التعليمية من موجة النهب الواسعة التي اجتاحت السودان في الأشهر الأخيرة. فقد أكد شهود عيان من المواطنين أنه في أوائل فبراير 2024، أصبحت الجامعات الحكومية أهدافًا للسرقة والتخريب. إذ تعرضت كلية التربية بجامعة الخرطوم في شارع الوادي، وجامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة بحري لعمليات نهب شاملة. وأشار الشهود إلى أن القوات المسلحة سيطرت على هذه الجامعات، وجعلتها مقرات عسكرية، بينما نهبت جميع الأثاث والمعدات، بما في ذلك مولدات الجامعةز
وفي 12 مارس 2024، أثناء استعادة الجيش السوداني لمقرالإذاعة والتلفزيون، قام الجنود بنهب جامعة القرآن الكريم ومساكنها الجامعية الواقعة بالقرب من شارع النيل. تم تحميل المسروقات على شاحنات عسكرية، ونقلها إلى معسكر كرري، حيث قام الجنود ببيعها لاحقًا في سوق صابرين وهم يرتدون الزي العسكري الكامل. هذا النهب المنظم أدى إلى تدمير العديد من مؤسسات التعليم العالي، مما ساهم في تفاقم الأزمة المستمرة في البلاد.
- النهب في مدينة بحري:
كشفت المقابلات مع الضحايا والشهود في مدينة بحري أن عمليات السرقة والنهب في المناطق التي يسيطر عليها الجيش قد تصاعدت من حوادث معزولة إلى ظاهرة واسعة الانتشار، ينفذها جنود الجيش وأفراد من القوات المتحالفة معهم بشكل جماعي.
بدأ الأمر مع دخول الجيش إلى بحري، حيث انتشرت حوادث سرقة ونهب منازل المواطنين بسرعة. وشملت السرقات واسعة النطاق أحياءً مثل شمبات الأراضي، والحلفايا، والصافية، وكفوري، وغيرها.
وفي بعض المناطق، مثل كافوري، تم اطلاق النار على المواطنين عندما حاولوا منع الجنود من نهب منازلهم. كما أُطلق النار على عميد متقاعد في الجيش بسبب احتجاجه على السرقة.
أفاد عدد من المواطنين الذين تحدثوا إلى التحالف السوداني للحقوق أنهم اكتشفوا جنودًا في منازلهم يسرقون ممتلكاتهم. وعندما اعترضوا، تعرضوا للضرب وأُجبروا على مغادرة منازلهم، وتم تهديدهم بالقتل إذا عادوا. بالإضافة إلى ذلك، شهدت أحياء في الخرطوم، بما في ذلك حي جبرة، عمليات نهب وسرقة مماثلة على نطاق واسع.
- النهب في مناطق شرق النيل والأحامدة:
تم توثيق وتأكيد وقوع حوادث نهب وسرقة واسعة نفذها الجيش والقوات المتحالفة معه في مناطق شرق النيل، حيث أفاد عدد من المواطنين بأن الجنود منعوهم من دخول أحيائهم بحجة أنها مناطق عمليات عسكرية. لكن سرعان ما اتضح أن الهدف الحقيقي كان تمكين هذه القوات من الاستيلاء على ممتلكات المدنيين.
وأكد السكان أن أحياء في شرق النيل، من بينها المغاربة والقادسية وأجزاء من النصر والفيحاء، خضعت لتطويق كامل، بينما نُفذت فيها عمليات نهب واسعة النطاق، مُنع خلالها الأهالي من العودة إلى منازلهم. وذكر شهود عيان أن المسروقات شملت ثلاجات، وغسالات، ومكيفات، وأجهزة تلفاز، بالإضافة إلى بعض قطع الأثاث المنزلي وأدوات الطهي.
تم نقل المسروقات بوسائل مختلفة، بما في ذلك السيارات، وعربات التوك توك (بعد إزالة الأغطية)، والدراجات النارية، والعربات التي تجرها الحيوانات (الكارو)، والمركبات العسكرية أو شاحنات النقل. في بعض المناطق، تم تخزين المسروقات داخل المنازل، بينما تم عرضها للبيع علنًا في سوق الأحامدة بمنطقة الدروشاب شمال بحري. ويعكس حجم النهب في هذه المناطق استغلالًا منهجيًا ومتزايدًا للصراع المستمر، مما ترك العديد من المواطنين بلا ممتلكات أساسية أو خدمات حيوية
- فرض رسوم غير قانونية في نقاط التفتيش:
يواجه التجار الذين يعملون في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش تحديات كبيرة بسبب الرسوم غير القانونية التي يفرضها الجنود في نقاط التفتيش، خاصة على الطرق التي تربط ولاية الخرطوم بولايات نهر النيل والشمالية والشرقية. ففي هذه النقاط، يوقف الجنود شاحنات البضائع القادمة من تلك المناطق ويطالبون بدفع مبالغ تتجاوز بكثير الرسوم القانونية المعتمدة.
أفاد أحد سائقي الشاحنات بأنه، على الرغم من دفعه الضرائب والزكاة عبر القنوات الرسمية وتوفيره الوثائق المطلوبة، يُجبر على دفع رسوم إضافية باهظة. وإذا امتنع عن الدفع، تُصادر البضائع ولا يُسمح للشاحنة بمواصلة الطريق إلا بعد سداد تلك الرسوم.
وأوضح أحد التجار أن هذه المطالبات غير القانونية تتكرر عند كل نقطة تفتيش تمر بها الشاحنات، مما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على التجار. ولتغطية هذه التكاليف الإضافية، يُضطر التجار إلى رفع أسعار بضائعهم، مما ينقل العبء المالي في نهاية المطاف إلى المستهلكين. ووفقًا لأحد التجار، قد تصل هذه الرسوم إلى 200,000 جنيه سوداني في كل نقطة تفتيش، ما يزيد من تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الشركات والمجتمعات المحلية.
ظهرت ممارسة مقلقة للغاية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني في الخرطوم، حيث يقوم عدد من عناصر الجيش، بمن فيهم المستنفرين، بتأجير الأسلحة لمجرمين ولصوص مسلحين. هذا الترتيب الخطير يتيح لهؤلاء الأفراد تنفيذ عمليات السرقة والنهب والقتل بسهولة أكبر ودون محاسبة. وأفاد مصدر تحدث إلى “التحالف السوداني للحقوق” بأن تأجير بندقية كلاشينكوف (AK-47) يصل إلى 50,000 جنيه سوداني في اليوم أو الليلة، مما يُسهم في تصاعد العنف بالمنطقة.
إلى جانب هذا المخطط غير القانوني، سُجلت ظاهرة مقلقة أخرى تتمثل في الاتجار العلني بالمخدرات من قِبل جنود الجيش. حيث تُباع المخدرات، وخاصة “البنقو” (نوع محلي من القنب)، بشكل علني في الشوارع والأسواق الرئيسية، مثل شارع الوادي بالقرب من تقاطع الحارة 30، والمدخل الجنوبي لسوق صابرين. وقد شوهد جنود بزيهم العسكري يعرضون هذه المواد المخدرة للبيع في العلن، مما يزيد من حالة الفوضى والفساد في هذه المناطق.
كشفت المقابلات التي أجراها فريقنا عن تدهور أمني خطير ومتواصل في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني في الخرطوم، حيث أكد الضحايا والشهود أن أي مدني أو تاجر حاول مقاومة الجنود قوبل بردٍّ انتقامي عنيف، أدى في كثير من الأحيان إلى فقدان الحياة. وفي معظم هذه الحوادث، لم يُحاسب الجناة، مما كرّس مناخ الإفلات من العقاب.
وبناءً على البيانات التي جمعها فريقنا، ثبت أن بعض قادة الجيش، وخاصة القادة الميدانيين، يتعمدون التستر على تصرفات جنودهم. كما تأكد استخدام المركبات العسكرية في نقل الممتلكات المسروقة.
وكشف التحقيق أن عناصر الجيش والمتعاونين معهم لا يُحاسبون على ما يرتكبونه من سرقات وعمليات نهب، رغم الشكاوى المتكررة من المواطنين والتجار. ويشير هذا النمط إلى أن عمليات القتل بدافع النهب، وسرقة منازل وممتلكات المدنيين في الخرطوم، تُنفذ بعلم وموافقة ضمنية من القادة المباشرين لهؤلاء الجنود.
وقد أسفر هذا الوضع المستمر عن اضطرابات واسعة النطاق، حيث لا يزال المواطنون والتجار يعانون من هذه الأنشطة الإجرامية، مما يزيد من تعرضهم للخطر في ظل بيئة يسودها الإفلات من العقاب.
انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان:
لقد ثبت تورط جهات فاعلة من الدولة وغير الدولة في انتهاكات تتجاهل الحماية القانونية الممنوحة للمدنيين والأعيان المدنية والبُنى التحتية الحيوية أثناء النزاعات المسلحة. إذ تُسهم الاستهدافات المتعمدة للمدنيين، وأعمال النهب وتدمير الممتلكات، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، واستخدام المواقع المحمية لأغراض عسكرية في تعميق معاناة السكان المتأثرين، وتشكل خروقات جسيمة للقانون الدولي، مما يثير تساؤلات جدية بشأن المساءلة وتحقيق العدالة.
إن نهب المنازل، وتدمير الممتلكات، والاستيلاء غير القانوني على ممتلكات المدنيين جميعها تُعد انتهاكًا للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النهب في جميع الظروف. كما يُحظر النهب بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، ويُعد جريمة حرب وفقًا للمادة 8(2)(هـ)(5) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998). تم وضع هذه الحماية لضمان كرامة المدنيين وحماية ممتلكاتهم، لا سيما في أوقات الضعف والنزاع. وقد أكدت السوابق القضائية، بما في ذلك قضية بلاسكيتش أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، أن حتى الأفعال المعزولة أو المتفرقة من النهب يمكن أن تكون قابلة للمقاضاة. أما النهب المنهجي الذي تشهده الخرطوم، والذي غالبًا ما يُنفذ بواسطة أفراد يرتدون الزي العسكري وتحت التهديد بالعنف، فإنه يشير إلى نمط من جرائم الحرب التي تستوجب المساءلة على المستوى الدوليز
تعرّف اتفاقية جنيف الرابعة المدنيين بأنهم الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية. وينسحب هذا الوضع القانوني على الأعيان المدنية، بما في ذلك المنازل، ودور العبادة، والمستشفيات، والمدارس، والمتاحف، والبُنى التحتية مثل السدود والجسور ومحطات المياه والكهرباء، والأسواق، والمطارات المدنية، ومحطات النقل. ويصنف القانون الدولي الإنساني الهجمات على الأعيان المدنية باعتبارها جرائم حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، ولا تسقط بالتقادم أو العفو.
وتحظر المادة 52 من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الهجمات العسكرية على الأعيان المدنية، وكذلك الأفعال التي تضر بحياة المدنيين، مثل التجويع أو منع وصول المساعدات الإنسانية. كما أن اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي جاءت استجابة لتدمير الممتلكات الثقافية أثناء الحرب العالمية الثانية، تُلزم بحماية المواقع الثقافية من الاستخدام العسكري أو النهب، وهو ما عززه البروتوكول الثاني لعام 1999 بمنح حماية موسعة لهذه المواقع.
تُعد الأفعال التي ارتكبها الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، مثل سرقة ونهب منازل وممتلكات المدنيين، انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية. إذ تحظر هذه القوانين استهداف المدنيين (البروتوكول الأول، المادة 51؛ البروتوكول الثاني، المادة 13)، وكذلك استهداف الأعيان الضرورية لبقاء السكان المدنيين (البروتوكول الأول، المادة 54). وتُصنّف هذه الأفعال ضمن جرائم الحرب وفقًا لنظام روما الأساسي.
التوصيات:
- التدخل الدولي العاجل:
على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الانتهاكات التي تشهدها ولاية الخرطوم، والتحرك الفوري للمساعدة في حماية المدنيين والبنية التحتية الأساسية. ينبغي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إعطاء الأولوية لتنسيق نقل المساعدات الإنسانية وتكليف ونشر قوات حفظ سلام في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يجب اتخاذ تدابير عاجلة لاستعادة النظام ومنع تصاعد العنف، بما في ذلك فرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات.
- المسائلة والعدالة:
من الضروري إجراء تحقيق شامل وتوثيق لانتهاكات القانون الدولي الإنساني، مع التركيز على الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية والأعيان المحمية. يجب توثيق هذه الانتهاكات بدقة لضمان المساءلة. ينبغي تسريع إجراء التحقيقات الجنائية الدولية، خاصة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة المسؤولين عن هذه الأفعال الجسيمة. ذلك سيسهم في ردع الانتهاكات المستقبلية وضمان تحقيق العدالة للضحايا.
- حماية المدنيين:
على الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية تكثيف جهودها لحماية المدنيين في مناطق النزاع، خاصة في المدن الكبرى الثلاث في الخرطوم. قد يتطلب ذلك تعزيز تطبيق مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بشكل أكثر فعالية. يعتبر نشر قوات حفظ السلام، وبالأخص تلك المدربة على حماية المدنيين، أمرًا حاسمًا في الحد من العنف. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إنشاء مناطق آمنة أو ممرات إنسانية يمكن للمدنيين اللجوء إليها. يجب منح المنظمات الإنسانية حق الوصول غير المشروط لتقديم المساعدة للمحتاجين.
- التعاون الإقليمي والدبلوماسية:
على المنظمات الإقليمية، ولا سيما الاتحاد الأفريقي، أن تلعب دورًا محوريًا في تسهيل محادثات السلام والتوسط بين الأطراف المتنازعة. ينبغي حث الاتحاد الأفريقي على اتخاذ موقف أكثر فاعلية في الدعوة إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سلمي للنزاع. يجب أن تركز المبادرات الدبلوماسية على ضمان حماية المدنيين، واستعادة الاستقرار، وتيسير حوار سياسي يهدف إلى تحقيق سلام دائم في السودان. يمكن للتعاون الإقليمي أن يساهم في ضمان انخراط كلا الجانبين في حوار هادف والعمل نحو وقف الأعمال العدائية.
الخاتمة:
تعد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات السودانية والقوات المتحالفة معها في ولاية الخرطوم من 15 أبريل 2023 إلى فبراير 2025، انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. إن التدمير المتعمد للبنية التحتية، والاستهداف المنهجي للأعيان المدنية، والقتل العشوائي للمدنيين، يعكس تجاهلًا كاملًا للضمانات التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف والمعاهدات الدولية الأخرى. هذه الأفعال لا تقتصر على انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني فحسب، بل تشكل أيضًا جرائم حرب كما هو محدد في اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لا يمكن تبرير هذه الجرائم بحجة الضرورة العسكرية، وهي تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلًا لضمان المساءلة وتحقيق العدالة.
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية واضحة وعاجلة في التصدي لهذه الانتهاكات، بما في ذلك اتخاذ خطوات حاسمة لحماية المدنيين، ودعم القرارات الدولية التي تهدف إلى صون حقوق الإنسان، والحد من الأضرار التي تُلحق بالمدنيين الأبرياء. يجب أن تكون أولوية المجتمع الدولي استعادة السلام والأمن في السودان، مع عدم التغاضي عن الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات الجسيمة.
يتعيّن على المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته في حماية المدنيين، والعمل على استعادة السلام والاستقرار في السودان.
يستحق سكان ولاية الخرطوم وسائر المدنيين في مناطق النزاع بمختلف أنحاء السودان حماية فورية، مع ضرورة ضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الشنيعة.
المنهجية:
يستند هذا التقرير على مزيج من المقابلات المباشرة مع الضحايا، وروايات شهود العيان، المعلومات الصادرة من الشبكات التي تقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الخرطوم خلال النزاع المستمر.
تشمل المصادر المنظمات الإنسانية، والمجموعات المجتمعية المحلية، ومدافعي حقوق الإنسان الذين لديهم وصول مباشر إلى مناطق النزاع. تم إجراء هذه المقابلات في ظروف ضمنت سرية وسلامة الضحايا والشهود.
بالإضافة إلى ذلك، يدمج التقرير بين البيانات النوعية والكمية لتقديم تحليل شامل للوضع. كما تضفي شهادات شهود العيان بعدًا إنسانيًا للأزمة، في حين توفر البيانات الإحصائية من الهيئات الرقابية المختلفة رؤى ثاقبة حول نطاق وشدة الانتهاكات.
تدعم الوثائق البصرية، بما في ذلك الصور والفيديوهات التي تم التقاطها خلال فترة التحقيق، النتائج وتعزز مصداقية التقرير. تُعد هذه المواد البصرية دليلًا على الدمار الواسع والمعاناة التي تسببت بها الانتهاكات والنزاع المستمر.
كما قام فريقنا بمراجعة تقارير من اللجان المجتمعية، والمنظمات الشبابية، والمراقبين المحليين لحقوق الإنسان، التي كانت جهودهم في توثيق الانتهاكات على الأرض حاسمة في رسم صورة شاملة للأزمة. تم أيضًا تحليل بيانات من كلا الطرفين المتنازعين، بالإضافة إلى تقارير الحكومة الرسمية وتقييمات الأمم المتحدة، بهدف تقديم رؤية متوازنة للوضع.
وتضمن المنهجية المعتمدة نهجًا شاملًا ومتعدد المصادر لتوثيق الانتهاكات، وتقدم رواية مفصلة وموثوقة للأزمة المستمرة في السودان.