يدين التحالف السوداني للحقوق بشدة القرار الصادر في 29 مايو 2025 عن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، والذي يقضي بفرض رسوم على الخدمات الأساسية التي تقدمها النيابة العامة.
تُعد هذه الخطوة، التي اتُّخذت بموجب ما يُسمى “رسوم خدمات النيابة العامة الاتحادية الموحدة”، اعتداءً صارخًا على المبدأ الأساسي المتمثل في الحق في الوصول المجاني إلى العدالة.
على مدى عقود، كانت النيابة العامة دعامة أساسية للعدالة، وتُقدّم خدماتها مجانًا، ولا سيما خلال المرحلة الحاسمة السابقة للمحاكمة. لكن فرض رسوم مالية على خدمات مثل الإفراج بالضمان، وبدء الإجراءات القانونية، والاطلاع على ملفات القضايا، والإحالات، يُحوّل العدالة إلى سلعة لا تُتاح إلا لمن يستطيعون تحمّل كلفتها.
هذا القرار لا يقتصر على كونه تمييزيًا فحسب، بل يشكل تهديدًا خطيرًا. يأتي في ظل ظروف استثنائية يعاني فيها المواطنون السودانيون سلفًا من ويلات الحرب، والتشريد، والأزمات الاقتصادية المتفاقمة. إن مطالبة المظلومين بدفع ثمن العدالة تُعدّ استخفافًا جوهريًا برسالة نظام النيابة العامة الذي وُجد ليخدمهم ويحمي حقوقهم.
نعبّر عن بالغ قلقنا إزاء تدخل وزارة المالية في استقلالية النيابة العامة، التي يجب أن تظل بمنأى عن أي تأثير سياسي أو مالي. فالنيابة العامة سلطة قضائية مستقلة، وليست ذراعًا من أذرع السلطة التنفيذية لتحصيل الإيرادات.
علاوة على ذلك، يشكّل هذا القرار انتهاكًا واضحًا لأحكام الدستور السوداني وللمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تكفل الحق في اللجوء إلى القضاء، والمحاكمة العادلة، والمساواة أمام القانون. وتشمل هذه الانتهاكات ما يلي:
- دستور السودان الانتقالي (2005) — الذي لا يزال يُستند إليه ضمن الأطر الانتقالية — ينص في المادة (35) على أن:” یكفل للكافة الحق في التقاضي، ولا یجوز منع أحد من حقه في اللجوء إلى العدالة.” إن فرض الحواجز المالية يتعارض بشكل مباشر مع هذا الضمان، حيث يحرم من الوصول إلى العدالة من لا يستطيعون الدفع.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه السودان، ينص في المادة 14(1) على أن: “الناس جميعًا سواء أمام القضاء…” وأن لكل فرد الحق في محاكمة عادلة وعلنية. إن فرض الرسوم بموجب هذا القرار يُقوّض مبدأ المساواة في الوصول إلى العدالة، ويشكّل انتهاكًا صريحًا للحق في المحاكمة العادلة.
- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صادق عليه السودان أيضًا، ينص في المادة 7 على الحق في محاكمة عادلة، بما في ذلك “الحق في الاستماع إليه” وطلب الانتصاف القانوني. وتشكل هذه الرسوم عائقًا أمام هذا الحق، ولا سيما بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المحدود.
- مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين (1990) تؤكد في المبدأ رقم 3 على ضرورة أن تكفل الحكومات “توفير التمويل الكافي والموارد الأخرى اللازمة لتقديم الخدمات القانونية للفقراء ولغيرهم من الأشخاص المحرومين.” إن تحويل الإجراءات المتعلقة بالنيابة العامة إلى خدمات مدفوعة يُضعف هذا المبدأ، لا سيما خلال المرحلة الحاسمة السابقة للمحاكمة، وهي المرحلة التي تشتدّ فيها الحاجة إلى الحماية القانونية.
هذه السياسة ليست مجرد مخالفة للقانون، بل تمثل ظلماً فادحاً. تأتي في ظل أوضاع مأساوية يعاني فيها ملايين السودانيين من التشريد والفقر والآثار النفسية للحرب. إن مطالبة المظلومين بدفع أموال مقابل الحصول على العدالة تعد خيانة صريحة لجوهر العدالة.
ومن المقلق بنفس القدر تجاوز وزارة المالية لصلاحياتها بالتدخل في شؤون النيابة العامة — وهي سلطة قضائية يجب أن تبقى مستقلة عن تدخلات السلطة التنفيذية. هذا القرار يقوض مبدأ فصل السلطات، وهو حجر الزاوية في المعايير الوطنية والدولية لاستقلال القضاء.
نحن، في التحالف السوداني للحقوق، نطالب بالإلغاء الفوري لهذا القرار.
نُؤكد مجددًا أن العدالة لا ينبغي أن تكون معروضة للبيع، ونُطالب بضمان استقلال النيابة العامة، وكفالة حق كل مواطن — بغض النظر عن دخله — في الوصول الكامل وغير المقيّد إلى الحماية القانونية وسبل الانتصاف.
العدالة يجب أن تخدم الناس، لا أن تخدم بندًا في الموازنة.
التحالف السوداني للحقوق– 2 يونيو 2025