يرحب التحالف السوداني للحقوق بتوقيع ميثاق السودان التأسيسي في 23 فبراير 2025 في نيروبي، كينيا، كخطوة نحو عصر جديد من السلام والعدالة والديمقراطية في السودان.
يعكس هذا الميثاق تطلعات الشعب السوداني إلى أمة تقوم على المساواة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد. كما نشير إلى تبني التحالف التأسيسي للسودان (الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025) في 4 مارس 2025، الذي يوفر إطارًا قانونيًا يجب أن يوجه وينظم تنفيذ الميثاق.
على الرغم من ذلك، يجب أن نعترف بأن السودان قد شهد العديد من هذه الالتزامات على مر السنين، جميعها كانت تحمل آمالًا، لكنها لم تتحقق بسبب غياب الإرادة السياسية، وعدم اكتمال التنفيذ، والفشل في الوفاء بالوعود المقطوعة. لقد عانى الشعب السوداني مرارًا وتكرارًا من دورات من الاستبداد والصراع والوعود غير المنجزة. فيما يلي أبرز الأمثلة على هذه الالتزامات الفاشلة:
- اتفاقية السلام الشامل (2005)
أنهت هذه الاتفاقية الحرب الأهلية السودانية الثانية وأدت إلى استقلال جنوب السودان. ومع ذلك، أدى فشل تنفيذ الأحكام المتعلقة بالحكم وتقاسم السلطة والعدالة إلى استمرار عدم الاستقرار في كل من السودان وجنوب السودان.
- وثيقة الدوحة للسلام في دارفور(2011)
على الرغم من أن الاتفاقية كانت تهدف إلى إحلال السلام في دارفور، إلا أنها استثنت الجماعات المتمردة الرئيسية، وتم تنفيذها بشكل سيئ، مما أدى إلى استمرار العنف والنزوح.
- الثورة السودانية 2019 واتفاق تقاسم السلطة:
على الرغم من الآمال الأولية في التحول الديمقراطي، إلا أن التدخل العسكري والتحديات الاقتصادية حالا دون تحقيق تلك الآمال بالكامل، مما أدى إلى انقلاب عام 2021.
- اتفاقية سلام جوبا (2020)
وُقعت هذه الاتفاقية لمعالجة النزاعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، إلا أنها واجهت بطئاً في التنفيذ، واستمرارًا في العنف، وغيابًا في الإرادة السياسية، مما جعل السلام الدائم بعيد المنال.
- الإعلان الدستوري: (2019)
كان مصممًا للانتقال بالسودان إلى حكم مدني، إلا أن الاتفاق تم تقويضه بسبب غياب المساءلة والتدخل العسكري في نهاية المطاف.
يقدم ميثاق السودان التأسيسي فرصة لكسر هذه الدورة من الوعود غير المنفذة. نحن في التحالف السوداني للحقوق نرحب بشكل خاص بأحكامه المتعلقة بالفيدرالية وحقوق الإنسان، لأنها تُوفر إطارًا لسودان أكثر عدلًا وشمولًا.
يؤسس الميثاق لدولة سودانية علمانية ديمقراطية لامركزية (المادة 3)، مما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل بين المناطق. كما يضمن:
• تأسيس نظام حكم لا مركزي حقيقي يقوم على الاعتراف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية (المادة 13).
• تحقيق التقاسم العادل للموارد وفرص الإنتاج، وضمان توزيع الإيرادات بين أقاليم وولايات السودان وفقاً لمتطلبات الحكم اللامركزي الحقيقي بما يحقق التنمية المتوازنة والعدالة الاقتصادية والاجتماعية. (المادة 25).
• تأسيس جيش وطني جديد وموحد ومهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة على أن يعكس التعدد والتنوع اللذين تتسم بهما الدولة السودانية (المادة 14).
نُشيد بهذه الأحكام، لأنها تتماشى مع رؤية التحالف السوداني للحقوق في السودان السلمي والمزدهر، حيث يتم تمثيل جميع المناطق تمثيلًا عادلًا وتمكينها من تشكيل مستقبلها.
يضمن الميثاق حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك:
• الالتزام بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وحماية حرية التعبير، والتجمع السلمي، والوصول إلى المعلومات (المادة 11).
• الالتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية، وإنهاء الإفلات من العقاب من خلال محاكمة كل من ارتكب جرائم بحق الوطن والمواطن، خاصة انتهاكات حقوق الإنسان، وإعادة الثقة في السلطة القضائية وأجهزة الدولة عبر ضمان استقلالها وفعاليتها في تنفيذ القانون، والالتزام الصارم بمبدأ سيادة حكم القانون وإنصاف الضحايا، وتسليم جميع المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، وتهيئة الظروف الملائمة لعودة النازحين واللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم بكرامة وأمان (المادة 18).
• تمكين المرأة ومساواتها بالرجل لضمان مشاركتها الفاعلة والعادلة في كافة مؤسسات وأجهزة الدولة (المادة 23).
• المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية دون أدنى تمييز على أساس ديني، أو ثقافي، أو اثني، أو لغوي أو جهوي، أو بسبب الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الإعاقة أو أي شكل من أشكال التمييز. ترتكز الهوية السودانوية على حقائق التنوع التاريخي والمعاصر للدولة السودانية في ظل سودان جديد يقوم على أسس الحرية والعدالة والمساواة، ويكون التنوع مصدر للثراء الثقافي والاجتماعي، ورابطة تؤسس للتعايش السلمي، وتقوم هذه الرابطة الاجتماعية على الوحدة في التنوع على الاختيار الطوعي والإرادة الحرة لكافة شعوب السودان (المادتين 8 و9).
تعد هذه الالتزامات أساسية لبناء دولة قائمة على العدالة والمساواة واحترام حقوق جميع المواطنين، إلا أن نجاحها يتوقف على الإرادة السياسية، والمؤسسات القوية، والتنفيذ الكامل.
لقد صاحب ميثاق السودان التأسيسي إصدار دستور انتقالي جديد (الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025)، وهو تطور مرحب به يُظهر التزامًا ببناء أساس قانوني للحكم الرشيد والعدالة والمساواة. تُعد هذه خطوة هامة إلى الأمام، حيث غالبًا ما كانت الأطر السياسية السابقة تفتقر إلى أساس دستوري واضح، مما ساهم في عدم الاستقرار وخيبة الأمل.
لكي يحقق الميثاق تغييراً ذا مغزى، يجب أن يُنفذ بما يتماشى تماماً مع دستور السودان الانتقالي المُعتمد حديثاً (2025). يوفر هذا الدستور إطاراً قانونياً وأخلاقياً حاسماً يعزز قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون، وهي قيمٌ جوهريةٌ لكل من الميثاق وتطلعات الشعب السوداني.
تؤكد المادة (4) على سيادة الدستور، حيث تنص على أن: “الدستور هو القانون الأعلى لجمهورية السودان ويجب أن يسود على أي قانون آخر يتعارض مع أحكامه.” هذه المادة تؤكد الالتزام القانوني لجميع الأطراف,سواء كانت عسكرية أو سياسية أو مدنية, بمواءمة أفعالهم مع المبادئ الدستورية. لذلك ، يجب أن يتم تنفيذ ميثاق السودان التأسيسي بطرق تحترم وتدعم هذه السيادة.
تُخاطب المادة (15) مباشرة جوهرالنضال السوداني من أجل المعاملة المتساوية والكرامة: ” جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ولهم الحق في حماية متساوية والاستفادة من القانون دون تمييز.” يشمل ذلك الحماية ضد التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو بسبب الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو المولد أو الإعاقة أو أي حالة أخرى.
يدعو التحالف السوداني للحقوق إلى تضمين هذه المبادئ في كافة مراحل تنفيذ الميثاق، خاصة عند تصميم نظم الحكم، وتوزيع الموارد، وحماية الحريات المدنية
وتؤكد المادة (26)على الحق في العدالة والإجراءات القانونية الواجبة، حيث تنص على أن:” لكل شخص الحق في أن يتم حل أي نزاع له بواسطة محكمة قانونية مختصة ومستقلة ومحايدة، أو أي محكمة أو هيئة أخرى منشأة بموجب القانون.” ” يكون جميع الأشخاص متساوون أمام المحاكم القانونية والهيئات القضائية.” ” تضمن الدولة المحاكمة العادلة وحق الحصول على المساعدة القانونية لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الخدمات القانونية.”
يعد هذا أمرًا بالغ الأهمية في ظل تاريخ السودان الطويل من الإفلات من العقاب والاعتقال التعسفي. ولكي يفي الميثاق بوعده في تحقيق العدالة ، يجب أن تُؤسس آليات المساءلة بشكل كامل ومستقل، وأن تكون متاحة للجميع، خاصة الناجين من الصراع، والنساء، والمجتمعات المهمشة تاريخيًا..
يدعو التحالف جميع الأطراف إلى النظر إلى الميثاق، ليس كاتفاق سياسي معزول، بل كإطار قانوني راسخ في الإطار الدستوري الجديد. ولكي يحقق الميثاق تغييرًا دائمًا، يجب أن يعكس تنفيذه القانون الأعلى للبلاد – الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025.
نتطلع إلى الحفاظ على هذا الدستور ليس فقط من حيث المبدأ، بل ليكون هو الدليل في تطبيق أحكام الميثاق، خاصة في مجالات الفيدرالية، والعدالة، وحقوق الإنسان، والإصلاح العسكري. إن مواءمة الالتزامات السياسية مع الالتزامات الدستورية أمر بالغ الأهمية لتحقيق المساواة والعدالة وسيادة القانون لجميع السودانيين
يدعو التحالف كذلك جميع الموقعين إلى إعطاء الأولوية لـ:
• إنهاء الحرب وحماية المدنيين، وضمان الوصول الإنساني.
• تنفيذ أحكام الميثاق بالكامل، مع وضع آليات شفافة للمساءلة.
• إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية لضمان أن يعكس الحكم في السودان إرادة شعبه.
يرتبط هذا الجهد ارتباطًا مباشرًا بمهمتنا: سودان ينعم بالسلام والازدهار، حيث تُراعى حقوق كل فرد وتُصان وتُحترم. يجسد ميثاق السودان التأسيسي هذه التطلعات نفسها، لكن نجاحه يعتمد على الجهد الجماعي واليقظة والضغط المستمر لضمان أن يصبح أكثر من مجرد وثيقة طموحة. لتحقيق تغيير هادف، يجب أن يرتكز على القانون الأعلى للبلاد – دستور السودان الانتقالي – وأن يسترشد به.
يظل التحالف السوداني للحقوق ملتزماً بمبدأ المحاسبة لجميع الأطراف المعنية في هذه المسيرة نحو سودان عادل وديمقراطي وسلمي.