يدين التحالف السوداني للحقوق بأشد العبارات وفاة المواطن بدر الدين بشرى – المعروف أيضًا بـ”بوكش” – أثناء احتجازه لدى جهاز المخابرات العامة في مدينة الأبيض، ولاية شمال كردفان.
وتُعد وفاته في 8 يونيو 2025، بعد نحو ستة أشهر من الاعتقال غير القانوني، والتعذيب الممنهج، والحرمان من الرعاية الطبية، انتهاكًا جسيمًا لحقوقه وكرامته كمواطن سوداني على يد مؤسسات الدولة.
كان بدر الدين بشرى، الموظف السابق بالجهاز القضائي في ولاية شمال كردفان، قد اعتُقل في يناير 2025 من قِبل جهاز المخابرات العامة، على خلفية مشاركته منشورًا كان قد شاهده على وسائل التواصل الاجتماعي داخل مجموعة واتساب خاصة.
ورغم اكتمال التحقيقات خلال الأسبوع الأول من اعتقاله، وعدم توفر أي أدلة تبرر توجيه اتهام ضده، فقد امتنعت النيابة العامة، وبالتواطؤ مع جهاز المخابرات، عن إحالته إلى المحكمة. وعلى الرغم من المطالبات المتكررة من هيئة الدفاع المكوّنة من عدة محامين بإحالته إلى القضاء من أجل استصدار أمر قضائي بعرضه على طبيب، فقد تم إغلاق جميع المسارات القانونية بشكل منهجي ومتعمد.
وخلال فترة احتجازه، تعرّض بدر الدين للاعتقال التعسفي المطوّل، ولأشكال متعددة من التعذيب، إضافة إلى حرمانه من الغذاء والرعاية الطبية، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية ووفاته داخل مقر الاحتجاز بتاريخ 8 يونيو 2025.
تشكل هذه الممارسات انتهاكات جسيمة ومتعددة للإطار القانوني الوطني في السودان. إذ ينص قانون الإجراءات الجنائية السوداني على حق كل معتقل في العرض الفوري أمام محكمة مختصة، ويُحظر فيه صراحةً كل من التعذيب والاحتجاز غير القانوني. كما أن الحرمان المطوّل من الرعاية الطبية، ورفض إحالة المعتقل إلى السلطة القضائية، يُعدّان انتهاكًا صريحًا للضمانات الإجرائية والموضوعية التي يكفلها هذا القانون.
وعلاوة على ذلك، تنتهك هذه الأفعال أحكام الدستور الانتقالي لجمهورية السودان، الذي يضمن الحق في الحرية الشخصية (المادة 29)، والحماية من التعذيب (المادة 33)، والحق في محاكمة عادلة (المادة 34). ويُظهر التعطيل المتعمد لمسار العدالة، والتجاهل المتكرر لهذه الحقوق الأساسية، نمطًا منهجيًا لاستخدام مؤسسات الدولة كأداة لاستهداف المعارضين السياسيين وتصفيتهم..
على الصعيد الدولي، تنتهك السلطات السودانية أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُعدّ السودان طرفًا فيه، ولا سيما المواد 6 و7 و9 و10، التي تكفل الحق في الحياة، والحماية من التعذيب، والحق في الحرية والأمان الشخصي، والمعاملة الإنسانية للمحتجزين. كما تشكّل هذه الممارسات انتهاكًا لالتزامات السودان بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وتتناقض بوضوح مع المعايير الدولية المنصوص عليها في قواعد نيلسون مانديلا الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن معاملة السجناء.
وعلى الصعيد الإقليمي، تُشكّل وفاة بدر الدين بشرى انتهاكًا صريحًا للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ولا سيما المواد 4 و5 و6، التي تكفل الحق في الحياة، والحماية من المعاملة اللاإنسانية، والحق في الحرية. كما تُخالف هذه الانتهاكات المبادئ التوجيهية لروبن آيلاند، التي اعتمدتها اللجنة الأفريقية، والتي تُلزم الدول بمنع التعذيب، وضمان كرامة المحتجزين. وهي مبادئ تم تجاهلها بشكل صارخ في هذه الحالة.
يُحمّل التحالف السوداني للحقوق جهاز المخابرات العامة، والنيابة العامة، وجميع الجهات الرسمية ذات الصلة، المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة المرتكبة خارج نطاق القانون.
ويطالب بفتح تحقيق فوري، مستقل، ومحايد في ملابسات وفاة بدر الدين بشرى، ومحاسبة جميع المسؤولين عنها، واتخاذ تدابير ملموسة لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.
كما يدعو التحالف الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى التحرك العاجل في هذه القضية، ودعم الجهود الهادفة إلى تحقيق العدالة لأسرة الضحية، وجميع المعتقلين الذين يواجهون أوضاعًا مماثلة.
إن وفاة بدر الدين بشرى لا تمثّل حالة فردية، بل تُجسّد نمطًا ممنهجًا لثقافة الإفلات من العقاب داخل أجهزة الأمن السودانية.
لا يجوز تأجيل العدالة. لقد آن أوان المساءلة.
التحالف السوداني للحقوق – 9 يونيو 2025